فصل: رعيته الغنم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 رعيته الغنم

روينا عن محمد بن سعد قال أنا سويد بن سعيد وأحمد بن محمد الأزرقي قالا ثنا عمرو ابن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي عن جده سعيد يعني ابن عمرو عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث الله نبياً إلا راعي غنم قال له أصحابه وأنت يا رسول الله قال أنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط‏.‏

وروينا عن ابن سعد قال أنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا زهير ثنا أبو اسحق قال كان بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم تنازع فاستطال أصحاب الإبل قال فبلغنا والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت وأنا راعي غنم أهلي بأجياد‏.‏

 شهوده يوم الفجار ثم حلف الفضول

قال السهيلي والفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة وذلك أنه كان قتالاً في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعاً فسمي الفجار وكانت للعرب فجارات أربعة ذكرها المسعودي آخرها فجار البراض وهو هذا وكان لكنانة ولقيس فيه أربعة أيام مذكورة يوم شمظة ويوم العيلاء وهما عند عكاظ ويوم الشرب وهو أعظمها يوماً فيه قيد حرب بن أمية وسفيان ابنا أمية أنفسهم كي لا يفروا فسموا العنابس ويوم الحريرة عند نخلة ويوم الشرب انهزمت قيس إلا بني نصر منهم فإنهم ثبتوا وكان انقضاء أمر الفجار على يدي عتبة بن ربيعة وذلك أن هوازن تواعدوا مع كنانة للعام المقبل بعكاظ فجاءوا للوعد وكان حرب بن أمية رئيس قريش وكنانة وكان عتبة بن ربيعة يتيماً في حجره فضن به حرب وأشفق من خروجه معه فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعروا إلا وهو على بعيره بين الصفين ينادي يا معشر مضر علام تفانون فقالت له هوازن ما تدعو إليه قال الصلح على أن ندفع لكم دية قتلاكم وتعفوا عن دمائنا قالوا وكيف قال ندفع لكم رهناً منا قالوا ومن لنا بهذا قال أنا قالوا ومن أنت قال أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فرضوا به رضيت به كنانة ودفعوا إلى هوازن أربعين رجلاً فيهم حكيم بن حزام فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء وأطلقوهم وانقضت حرب الفجار وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل فيها‏.‏

وروينا عن ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم شهدها وله عشرون سنة وقال قال عليه السلام قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحب أني لم أكن فعلت‏.‏

وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف الفضول منصرف قريش من الفجار‏.‏

قال محمد بن عمر وكان الفجار في شوال وهذا الحلف في ذي القعدة وكان أشرف حلف كان قط وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وبنو أسد بن عبد العزى في دار ابن جدعان فصنع لهم طعاماً فتعاقدوا وتعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة وقال عليه السلام ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم وأني أغدر به بعينه‏.‏

قال محمد بن عمر ولا نعلم أحداً سبق بني هاشم بهذا الحلف‏.‏

 سفره عليه السلام إلى الشام مرة ثانية

قال ابن اسحق ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد فيما ذكره غير واحد من أهل العلم‏.‏

وقال ابن عبد البر وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة لخديجة سنة خمس وعشرين وتزوج خديجة بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوماً في عقب صفر سنة ست وعشرين وذلك بعد خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام من يوم الفيل‏.‏

وقال الزهري كانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة قال أبو عمر وقال أبو بكر بن عثمان وغيره كان يومئذ ابن ثلاثين سنة قالوا وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة‏.‏

وروينا عن أبي بشر الدولابي قال وحدثني ابن البرقي أبو بكر عن ابن هشام عن غير واحد عن أبي عمرو بن العلاء قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة‏.‏

وروينا عن أبي الربيع بن سالم قال وذكر الواقدي بإسناد له إلى نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية قال وقد رويناه أيضاً من طريق أبي علي بن السكن وحديث أحدهما داخل في حديث الآخر مع تقارب اللفظ وربما زاد الشيء اليسير على الآخر وكلاهما ينمي إلى نفيسة قالت لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين لما تكاملت فيه من خصال الخير قال له أبو طالب يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليس لنا مادة ولا تجارة وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيرانها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع فلو جئتها فوضعت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من يهود ولكن لا نجد من ذلك بداً وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة وتبعث بها إلى الشام فتكون عيرها كعامة عير قريش وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم المال مضاربة وكانت قريش قوماً تجاراً ومن لم يكن تاجراً من قريش فليس عندهم بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلها ترسل إلي في ذلك فقال أبو طالب إني أخاف أن تولي غيرك فتطلب أمراً مدبراً فترقا وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبل ذلك ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه فقالت ما علمت أنه يريد هذا ثم أرسلت إليه فقالت إنه دعائي إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقي أبا طالب فذكر له ذلك فقال إن هذا لرزق ساقه الله إليك فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب يقال له نسطوراً فاطلع الراهب إلى ميسرة وكان يعرفه فقال يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة فقال ميسرة رجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي ثم قال له في عينيه حمرة قال ميسرة نعم لا تفارقه قال الراهب هو هو وهو آخر الأنبياء ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج فوعى ذلك ميسرة ثم حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها واشترى فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة فقال الرجل أحلف باللات والعزى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط فقال الرجل القول قولك ثم قال لميسرة وخلا به يا ميسرة هذا نبي والذي نفسي بيده وإنه لهو تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم فوعى ذلك ميسرة ثم انصرف أهل العير جميعاً وكان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره قال وكان الله عز وجل قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة من ميسرة فكان كأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا وكانوا بمر الظهران تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علية لها معها نساء فيهن نفيسة بنت منية فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت فقال لها ميسرة قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام وأخبرها بقول الراهب نسطوراً وقول الآخر الذي خالفه في البيع قالوا وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارتها فربحت ضعف ما كنت تربح وأضعفت له ما سمت له فلما استقر عندها هذا وكانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً وأعظمهن شرفاً وأكثرهن مالاً وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو يقدر عليه فعرضت عليه نفسها فقالت له فيما يزعمون يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك فلما قالت له ذلك ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها فقال أبو الربيع هكذا ذكر ابن اسحق وذكر الواقدي وغيره من حديث نفيسة أن خديجة أرسلتها إليه دسيساً فدعته إلى تزويجها‏.‏

قلت وقد روينا ذلك عن ابن سعد قال‏:‏ أنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ثنا موسى ابن شيبة عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية قالت كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جلدة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع من عيرها من الشام فقلت يا محمد ما يمنعك أن تزوج قال ما بيدي ما أتزوج به قلت فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال فمن هي قلت خديجة قال فكيف لي بذلك قالت قلت علي قال فأنا أفعل فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فزوجه أحدهم فقال عمرو بن أسد هذا الفحل لا يقدع أنفه وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة وهي يومئذ بنت أربعين سنة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة‏.‏

وذكر ابن اسحق أن أباها خويلد بن أسد هو الذي أنكحها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك وجدته عن الزهري وفيه وكان خويلد أبوها سكران من الخمر فلما كلم في ذلك أنكحها فألقت عليه خديجة حلة وضمخته بخلوق فلما صحا من سكره قال ما هذه الحلة والطيب فقيل له أنكحت محمداً خديجة وقد ابتنى بها فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه‏.‏

وقال محمد بن عمر‏:‏ الثبت عندنا المحفوظ من أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار وأن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ورأيت ذلك عن غير الواقدي‏.‏

وقد قيل إن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي أنكحها منه والله أعلم‏.‏

وروينا عن أبي بشر الدولابي ثنا يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال فلما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أشده وليس له كبير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشة وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلاً آخر من قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عنها ما رأيت من صاحبة لأجير خيراً من خديجة ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا‏.‏

وروينا عن أبي بشر محمد بن أحمد بن حماد قال وحدثني أبو أسامة الحلبي ثنا حجاج بن أبي منيع ثنا جدي عن الزهري قال تزوجت خديجة بنت خويلد بن أسد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين الأول منهما عتيق بن عايذ بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم فولدت له جارية وهي أم محمد بن صيفي المخزومي ثم خلف على خديجة بعد عتيق بن عايذ أبو هالة التميمي وهو من بني أسيد بن عمرو فولدت له هند بن هند‏.‏

كذا وقع في هذه الرواية عتيق بن عايذ والصواب عابد بالباء قاله الزبير وسمى الزبير الجارية التي ولدتها منه هنداً واسم أبي هالة هند بن زرارة بن النباش ابن غذى بن خبيب بن صرد بن سلامة بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم فيما رويناه عن الدولابي‏:‏ حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ثنا زهير بن العلاء ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بن دعامة فذكره‏.‏

قال ابن اسحق وكانت خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان ابن عمها وكان نصرانياً قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذا كان الملكان يظلانه فقال ورقة لئن كان هذا حقاً يا خديجة إن محمداً لنبي هذه الأمة قد عرفت أنه كائن بهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه‏.‏

أو كما قال فجعل ورقة يستبطئ الأمر‏.‏

وله في ذلك أشعار منها ما رواه يونس بن بكير عن ابن اسحق‏:‏ أتبكر أم أنت العشية رائح وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح لفرقة قوم لا أحب فراقهم كأنك عنهم بعد يومين نازح وأخبار صدق خبرت عن محمد يخبرها عنه إذا غاب ناصح بأن ابن عبد الله أحمد مرسل إلى كل من ضمت عليه الأباطح وظني به أن سوف يبعث صادقاً كما أرسل العبدان نوح وصالح في أبيات ذكرها‏.‏

 بنيان قريش الكعبة

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة قال موسى بن عقبة وإنما حمل قريشاً على بنائها أن السيل كان أتى من فوق الردم الذي صنعوا فأخر به فخافوا أن يدخلها الماء وكان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة فأرادوا أن يشيدوا بنيانها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخل إلا من شاءوا وأعدوا لذلك نفقة وعمالاً ثم عمدوا إليها ليهدموها على شفق وحذر من أن يمنعهم الله الذي أرادوا‏.‏

قال ابن اسحق ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنيانها كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان يومئذ أسن قريش كلها قال يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون في أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم ففعلوا فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا هذا محمد فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوباً فأتي به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه‏.‏

وحكى السهيلي أنها كانت تسع أذرع من عهد إسماعيل يعني ارتفاعها ولم يكن لها سقف فلما بنتها قريش قبل الإسلام زادوا فيها تسع أذرع فكانت ثمان عشرة ذراعاً ورفعوا بابها عن الأرض فكان لا يصعد إليها إلا في درج أو سلم وأول من عمل لها غلقاً تبع ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها تسع أذرع فكانت سبعاً وعشرين ذراعاً وعلى هذا هي إلى الآن‏.‏

وكان بناؤها في الدهر خمس مرات الأولى حين بناها شيث بن آدم عليهما السلام والثانية حين بناها إبراهيم على القواعد الأولى والثالثة حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام والرابعة حين احترقت في عهد ابن الزبير بشررة طارت من أبي قبيس فوقعت في أستارها فاحترقت وقيل إن امرأة أرادت أن تجمرها فطارت شرارة من المجمرة فأحرقت فشاور ابن الزبير في هدمها من حضر فهابوا هدمها وقالوا نرى أن تصلح ما وهي لا تهدم فقال لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها فهدمها حتى انتهى إلى قواعد إبراهيم وأمرهم أن يزيدوا في الحفر فحركوا حجراً منها فرأوا تحته ناراً وهولاً أفزعهم فأمرهم أن يغروا القواعد وأن يبنوا من حيث انتهى الحفر‏.‏

وفي الخبر أنه سترها حسن وصل إلى القواعد فطاف الناس بتلك الأستار فلم تخل من طائف حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب واشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها‏.‏

فلما استتم بنيانها ألصق بابها بالأرض وعمل لها خلفاً إي باباً آخر من ورائها وأدخل الحجر فيها وذلك لحديث حدثته به خالته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألم ترى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم حين عجزت بهم النفقة‏.‏

ثم قال عليه السلام لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتها وجعلت لها خلفاً وألصقت بابها بالأرض ولأدخلت الحجر فيها أو كما قال عليه السلام‏.‏

قال ابن الزبير فليس بنا اليوم عجز عن النفقة فبناها على مقتضى حديث عائشة‏.‏

فلما قام عبد الملك بن مروان قال لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء فهدمها وبناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من بنائها جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع وهو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر ومعه رجل آخر فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث المتقدم فندم وجعل ينكث في الأرض بمخصرة في يده ويقول وددت أني تركت أبا خبيب وما تحمل من ذلك‏.‏فهذه المرة الخامسة‏.‏

فلما قام أبو جعفر المنصور أراد أن يبنيها على ما بناها ابن الزبير وشاور في ذلك فقال له مالك بن أنس أنشدك الله يا أمير المؤمنين وأن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره فنذهب هيبته من قلوب الناس فصرفه عن رأيه فيه‏.‏

وقد قيل إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين لأن السيل كان قد صدع حائطه ولم يكن ذلك بنياناً وإنما كان صلاحاً لما وهى منه وجداراً يبنى بينه وبين السيل بناه عامر الجادر‏.‏

وكانت الكعبة قبل أن يبنيها شيث عليه السلام خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم ويأنس بها لأنها أنزلت إليه من الجنة وكان قد حج إلى موضعها من الهند‏.‏

وقد قيل أيضاً إن آدم هو أول من بناها‏.‏

ذكره ابن اسحق في غير رواية البكائي‏.‏

وفي الخبر أن موضعها كان غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض فلما بدأ الله يخلق الأشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء وقضاهن سبع سموات دحى الأرض أي بسطها وذلك قوله سبحانه وتعالى ‏"‏ والأرض بعد ذلك دحاها ‏"‏ وإنما دحاها من تحت مكة ولذلك سميت أم القرى‏.‏

وفي التفسير أن الله سبحانه حين قال للسموات والأرض ‏"‏ ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ‏"‏ لم يجبه بهذه المقالة إلا أرض الحرم فلذلك حرمها‏.‏

وفي الحديث أن الله حرم مكة قبل أن يخلق السموات والأرض الحديث‏.‏

 ما حفظ من الأحبار والرهبان والكهان وعبدة الأصنام

من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما تقدم

قال ابن اسحق وكانت الأحبار من يهود والرهبان من النصارى والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه أما الأحبار من يهود والرهبان من النصاري فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه‏.‏

وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين فيما تسترق من السمع إذ كانت لا تحجب عن ذلك وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره ولا تلقى العرب لذلك فيه بالاً حتى بعثه الله ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراقه فرموا بالنجوم فعرف الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين بعثه يقص عليه خبرهم إذ حجبوا ‏"‏ قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططاً وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادهم رهقاً وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أو أراد بهم ربهم رشداً ‏"‏‏.‏

فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة فآمنوا به وصدقوا ثم ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم‏.‏

وقول الجن ‏"‏ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ‏"‏ الآية هو أن الرجل من العرب من قريش وغيرهم كان إذا سافر فنزل بطن من واد من الأرض ليبيت فيه قال إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه‏.‏وذكر أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمى بها ثقيف وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج وكان أدهى العرب وأنكرها رأياً فقالوا له يا عمرو ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم قال بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر ويعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمي بها فهو والله طي هذه الدنيا وهلاك هذا الخلق الذي فيها وإن كانت نجوماً غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا لأخر أراد الله بهذا الخلق‏.‏

وقد روى أبو عمر النمري من طريق أبي داوود ثنا وهب بن بقية عن خالد‏.‏وبه قال وحدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس كلاهما عن حصين عن عامر الشعبي قال لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجمت الشياطين بنجوم لم يكن يرجم بها قبل فأتوا عبد ياليل بن عمرو الثقفي فقالوا إن الناس قد فزعوا وقد أعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم فقال لهم وكان رجل أعمى لا تعجلوا وانظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس وإن كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف فقالوا هذا من حدث فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وروينا من طريق مسلم ثنا الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد قال حسن ثنا يعقوب وقال عبد حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني علي بن حسين أن عبد الله بن عباس قال أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمى بمثل هذا عبد‏.‏

حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال قالوا الله ورسوله أعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عليم ومات رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لا يرمي بها الموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون به ويزيدون‏.‏

أخبرنا أبو محمد بن إسماعيل المسكي قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا أبو عبد الله بن أبي المعالي ابن محمد بن الحسين نزيل الإسكندرية سماعاً قال أنا أحمد بن محمد الشافعي قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا أحمد بن علي بن الحسين قال أنا الحسن بن أحمد قال أنا عبد الله بن جعفر قال أنا يعقوب بن سفيان ثنا يوسف بن حماد المعني ثنا عبد الأعلى عن محمد بن اسحق‏.‏

وروينا من طريق البكائي عن ابن اسحق ومعناهما واحد وهذا اللفظ للبكائي عن ابن اسحق‏.‏

قال وحدثني صالح بن إبراهيم عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر قال كان لنا جار من يهود من بني عبد الأشهل فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت فقالوا له ويحك يا فلان أوترى هذا كائناً إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذي يحلف له ولود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في داره يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه بأن ينجو من تلك النار غداً فقالوا له ويحك يا فلان وما آية ذلك قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده إلى مكة واليمن قالوا ومتى نراه فنظر إلي وأنا من أحدثهم سناً فقال إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً فقلنا له ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت قال بلى ولكن ليس به‏.‏

وروينا عن محمد بن سعد قال أنا محمد بن عمر قال حدثني الحجاج بن صفوان عن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عنبسة السلمي قال رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية وذلك أنها باطل فلقيت رجلاً من أهل الكتاب من أهل تيماء فقلت إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم إله فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره ويجعل أحسنها إلهاً يعبده ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلاً سواه فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضر فدلني على خير من هذا فقال يخرج من مكة رجل غريب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها فإذا رأيت ذلك فاتبعه فإنه يأتي بأفضل الدين فلم يكن لي همة منذ قال ذلك إلا مكة فآتي فأسأل هل حدث فيها حدث فيقال لا ثم قدمت مرة فسألت فقالوا حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها فشددت راحلتي برحلها ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزل بمكة فسألت عنه فوجدته مستخفياً ووجدت قريشاً عليه أشداء فتلطفت له حتى دخلت عليه فسألته فقلت أي شيء أنت قال نبي فقلت ومن أرسلك قال الله قلت وبم أرسلك قال بعبادة الله وحده لا شريك له وبحقن الدماء وبكسر الأوثان وصلة الرحم وأمان السبيل فقلت نعم ما أرسلت به قد آمنت بك وصدقتك أتأمرني أن أمكث معك أو أنصرف فقال ألا ترى كراهة الناس ما جئت به فلا تستطيع أن تمكث كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجاً فاتبعني فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه فقدمت المدينة فقلت يا نبي الله أتعرفني قال نعم أنت السلمي الذي أتيتني بمكة وذكر باقي الحديث‏.‏

وروينا عن ابن اسحق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله لنا وهداه لما كنا نسمع من أحبار يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكان لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن يقتلكم قتل عاد وارم فكنا كثيراً ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله عز وجل وعرفنا ما كانوا يتواعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا ففي ذلك نزلت هذه الآيات في البقرة ‏"‏ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ‏"‏‏.‏

وذكر الواقدي عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله يفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً‏.‏

قال عطاء ثم لقيت كعب الأحبار فسألته فما اختلفا في حرف‏.‏

وروينا عن ابن اسحق قال وحدثني عاصم بن عمر عن شيخ من بني قريظة قال قال لي هل تدري عم كان إسلام ثعلبة ابن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد نفر من هدل أخوة قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الإسلام قال قلت لا قال فإن رجلاً من يهود من أهل الشام يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط المطر قلنا له اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا بين يدي نجواكم صدقة فنقول له كم فيقول صاعاً من تمر أو مدين من شعير فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقي قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ثم حضرته الوفاة عندنا فلما عرف أنه ميت قال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أمر الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع فقلنا أنت أعلم قال فإنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه قد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ومن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية وكانوا شباناً أحداثاً يا بني قريظة والله أنه للنبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا ليس به قال بلى والله إنه لهو بصفته فنزلوا وأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم‏.‏

وذكر الواقدي عن النعمان السبائي قال وكان من أحبار يهود باليمن فلما سمع بذكر النبي صلى الله عليه وسلم قدم عليه فسأله عن أشياء ثم قال إن أبي كان يختم على سفر يقول لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبي قد خرج بيثرب فإذا سمعت به فافتحه قال نعمان فلما سمعت بك فتحت السفر فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة وإذا فيه ما تحل وما تحرم وإذا فيه أنك خير الأنبياء وأمتك غير الأمم واسمك أحمد صلى الله عليك وسلم وأمتك الحمادون قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم لا يحضرون قتالاً إلا وجبريل معهم يتحنن الله إليهم كتحنن الطير على أفراخه ثم قال لي إذا سمعت به فاخرج إليه وآمن به وصدق به فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يسمع أصحابه حديثه فأتاه يوماً فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا نعمان حدثنا فابتدأ النعمان الحديث من أوله فرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ثم قال أشهد أني رسول الله‏.‏

ويقال أن النعمان هذا هو الذي قتله الأسود العنسي وقطعه عضواً عضواً وهو يقول أشهد أن محمداً رسول الله وأنك كذاب مفتر على الله عز وجل ثم حرقه بالنار‏.‏

أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي وأبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب قراءة على الأول وأنا أسمع وبقراءاتي على الثاني قالا أنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد الدارقزي قراءة عليه قال الأول وأنا في الخامسة وقال الثاني وأنا أسمع قال أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قال أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار قال أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ثنا محمد بن يونس ثنا يعقوب بن محمد الزهري ثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس ابن عبد المطلب قال قال لي أبي عبد المطلب بن هاشم خرجت إلى اليمن في رحلة الشتاء والصيف فنزلت على رجل من اليهود يقرأ الزبور فقال يا عبد المطلب بن هاشم ائذن لي أنظر في بعض جسدك قال قلت فانظر ما لم يكن عورة قال فنظر في منخري قال أجد في إحدى منخريك ملكاً وفي الأخرى نبوة فهل لك من شاعة قال قلت وما الشاعة قال الزوجة قال قلت أما اليوم فلا قال فإذا قدمت مكة فتزوج قال قدم عبد المطلب مكة فتزوج هالة بنت وهيب بن زهرة فولدت له حمزة وصفية وتزوج عبد الله آمنة بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت قريش تقول فلج عبد الله على أبيه‏.‏